فضلُ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها
الخطبة الأولى
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ
لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ، ﴿يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ، ﴿يَا
أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ
كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَشَرَّ
الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ
، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِى النَّارِ .
أيُّها المسلمون : اتقوا اللهَ واعبدُوه
واجتنبوا معصيتَه ، فإنَّ طاعتَه فوزٌ وسعادةٌ ، وإنَّ معصيتَه خسارةٌ وندامةٌ .
عبادَ اللهِ ، إنَّ من أصولِ عقيدةِ المسلمِ
، عقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ ؛ محبةَ صحابةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ
ومعرفةَ ما لهم من فضائلَ وسابقةٍ في الإسلامِ ، وأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يتولَّون
أزواجَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم أمهاتِ المؤمنين ؛ ويؤمنون بأنَّهن أزواجُه
في الآخرةِ ، وإنَّ مِنْ أعظمِ زوجاتِ النَّبيِّ قدْرًا وأعلاهُنَّ مكانةً وأرفعِهن
شَرَفَا الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ ، أمُّنا عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ ؛ حبيبةُ حبيبِ
اللهِ ؛ الحَصَانُ الرَّزَانُ الزَّوجةُ الصَّبورةُ الوَفيَّةُ العالمةُ الخَلوقةُ
، كم لها من الفضائلِ الجَمَّةِ فبأيِّها نبدأ ؟ ، وكم لهـــا من المقامِ الرفيعِ فكيف
نَصِفُها ؟ .
أيها المؤمنون ، إنَّ عائشةَ بنتَ الصديقِ
رضيَ اللهُ عنها وعن أبيها في الجنَّةِ يومَ القيامةِ ، فقد قالَ رسولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسَلَّم لها : «أمَا ترضين أنْ تكُوني زوجتي في الدنيا و الآخرةِ
؟» ، قالت : بلى واللهِ ، قال : «فأنتِ زوجتي في الدنيا و الآخرةِ» ، رواه الحاكمُ
، وهو حديثٌ صحيحٌ ، قال الذهبيُّ معلِّقاً في التلخيصِ : صحيحٌ .
أليست هي التي يقولُ عنها صَلَّى اللهُ
عليه وسَلَّمَ : «فَضْلُ عائشةَ على النساءِ كفضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطعامِ» رواه
البخاريُّ ومسلمٌ ؟ ، والثَّريدُ طعامٌ من الخُبْزِ واللحْمِ ومَرَقِه ؛ وهو أفضلُ
ما يجدونه في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ من الطعامِ.
عائشةُ رضيَ اللهُ عنها هي أحبُّ الناسِ
إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ، فحين سُئل : مَن أحبُّ الناسِ إليكَ
؟ ، قال : «عائشةُ» ، قالوا : ومِن الرجالِ؟ ، قال : «أبوها» رواه البخاريُّ ومسلمٌ
.
وما كان سَيِّدُنا ونبيُّنا صلَّى اللهُ
عليه وسَلَّمَ ليُحِبَّ إلا طَيِّباً ، كما قال تعالى : ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ .
قال الإمام الذهبيُّ رحمه اللهُ : وهذا
خبرٌ ثابتٌ على رَغْمِ أُنوفِ الروافضِ ، وما كان عليه السلامُ لِيُحِبَّ إلا طَيِّبًا
، فأَحَبَّ أفضلَ رِجالِ أُمَّتِه ، وأفضلَ امرأةٍ من أمَّتِه ، فمن أبغضَ حَبِـــيْـبَـيْ
رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ، فهو حريٌّ أنْ يكونَ بغيضًا إلى اللهِ ورسولِه
.
نشأت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها وعن أبيها
في بيتِ صِدْقٍ وإيمانٍ ؛ فأُمُّها صحابيَّةٌ وأختُها صحابيَّةٌ ، وأخوها صحابيٌّ ،
ووالدُها صِدِّيقُ هذه الأمَّةِ والخليفةُ الأول لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم
.
اختارَ اللهُ عائشةَ لنبيِّه ؛ حيث رآها
في المنامِ ؛ كما جاءَ في الصحيحين واللفظُ لـمُسْلِمٍ عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت
: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم : «أُرِيتُك في المنامِ ثلاثَ ليالٍ ؛
جاءني بكِ الـمَلَكُ في سَرَقَةٍ (قطعةٍ) من حريرٍ ؛ فيقولُ : هذه امرأتُكَ ، فأكشفُ
عن وجهِك فإذا أنتِ هي ؛ فأقولُ : إنْ يَكُ هذا من عندِ اللهِ يـُمْضِه» رواه البخاريُّ
ومسلمٌ ، فَتَزَوَّجَها ودَخَلَ بها وعمرُها تِسْعُ سنينَ ؛ ولم يَتَزَوَّجْ بِكْراً
غيرَها .
وقد كانت نِعمَ الزوجةِ لخيرِ الأزواجِ ؛ أُعطيتْ حُسْنًا في الخَلْقِ والخُلُقِ ، وفصاحةً في اللسانِ ، ورَزَانَةً في الرَّأْيِ ؛ ورصانةً في العقلِ ، وحُسْنَ تَبَعُّلٍ للزوجِ ؛ حتى إنْ غَضِبَتْ لم يُخْرِجْها غَضَبُها عن وَقَارِها وأَدَبِها معه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ .
كنَّاها النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ
بأمُّ عبدِ اللهِ ، وهي لم تلدْ له ، أَخْرَجَ ابنُ حِبَّانٍ في صحيحِه من حديثِ عائشةَ
أنَّها قالت : أُحْضِر إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم ابنُ الزُّبيرِ لِيُحَنِّكَه
-وهي خالتُه- ، فقال : «هو عبدُ اللهِ ، وأنت أمُّ عبدِ اللهِ» ، قالت : فَلَمْ أَزَلْ
أُكَنَّى بها .
معاشرَ المؤمنين ، أُمُّنا عائشةُ مُنِحَتْ
ذَكَاءً وزكاءً وحفظاً ثاقباً ، قال ابن كثير رحمه الله : لم يكنْ في الأُممِ مثلُ
عائشةَ في حفظِها وعِلْمِها وفصاحتِها وعقلِها ، ويقول الذهبيُّ عنها : أفقهُ نساءِ
الأمَّةِ على الإطلاقِ ؛ ولا أعلمُ في أمَّةِ محمَّدٍ بل ولا في النساءِ مطلقاً امرأةً
أعلمَ منها .
يقولُ عُرْوَةُ ابنُ الزبيرِ: ما رأيتُ
أحداً أعلمَ لفقهٍ ولا بِطِبٍّ ولا بشِعْرٍ من عائشةَ رضيَ اللهُ عنها .
تجاوزَ عَدَدُ الأحاديثِ التي روتْها ألفين
ومائةَ حديثٍ ، فما أعظمَ أجْرَها ، فَجُلُّ الإسلامِ هي مَنْ نَقَلَتْه إلينا ، فما
مِنْ أحدٍ يقرأُ حديثاً رَوَتْه إلى قيامِ الساعةِ إلا وكُتِبَ لها الأجرُ في ذلك ،
فأجرُها عظيمٌ متتابعٌ ، فَتَبَّاً ثمَّ تَبَّاً لـِمَنْ هَزَأَ بِها أو لـَمَزَها
أو انْتَقَصَ من قَدْرِها ، وإنَّه يُخْشَى ممن فَعَلَ ذلك على إسلامِه ودينِه ، أمَّا
مَنْ رَمَاهَا بما بَرَّأَها اللهُ منه فإنَّه لا دينَ له ، وهو من الإسلامِ قَدْ خَرَجَ
، لأنَّه مُكّذِّبُ للهِ وكلامِه .
كانت رضوانُ اللهِ عليها مَرْجِعَا لكبارِ
الصحابةِ رضي اللهُ عنهم ، وكانت تُفتي في عهدِ عمرَ وعثمانَ رضي اللهُ عنهم إلى أن
ماتت .
أمُّنا أمُّ عبدِالله عائشةُ رضوانُ اللهِ
عليها كان الوحيُ ينـزلُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وهو في لِحَافِها
أحياناً ، وقُبْضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وهو بين سَحْرِها ونَحْرِها
، ودُفِنَ في بيتِها .
إنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها وإنَّ أباها
الصديقَ أبا بكرٍ رضي اللهُ عنه بركاتُهم للإسلامِ وفي الإسلامِ وللمسلمين معلومةٌ
عديدةٌ .
سافرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم
حتى إذا كانوا في البيداءِ انقطعَ عقدٌ لعائشةَ رضيَ اللهُ عنها فأقامَ رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم على التماسِه إكرماً ومحبةً لها ، وأقامَ معه صحابتُه يلتمسونه
محبَّةً لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإكراماً لأمِّ المؤمنين زوجِ رسولِ
الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم وحبيبتِه ، ولكم أنْ تتخيَّلوا ذلك الركبَ المباركَ
وعلى رأسِهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يحبسون أنفسَهم التماساً وبحثاً عن
عقدِ عائشةَ رضي اللهُ عنها ، فما أعظمَها من منقبةٍ لها ، فنفدَ ماؤُهم وأصبحوا
وليس عندهم ماءٌ ، فأنزلَ اللهُ آيةَ التيمُّمِ ، فقال أسيدُ بنُ الحضيرِ وهو من كبارِ
الأنصارِ رضي اللهُ عنه : ما هي بأوَّلِ بركتِكم يا آلَ أبي بكرٍ . رواه البخاريُّ
ومسلمٌ .
وفي رواية قال أُسيدٌ : جزاكِ اللهُ خيراً
فواللهِ ما نَزَلَ بك أمرٌ قطُّ إلا جعلَه اللهُ لك منه مخرجاً ، وجعلَ للمسلمين فيه
بركةً ، رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
وفي روايةٍ عند البخاريِّ : فقال أُسيدٌ
: جزاكِ اللهُ خيراً فواللهِ ما نزلَ بكِ أمرٌ تكرهينَه إلا جعلَ اللهُ ذلك لكِ وللمسلمين
فيه خيراً .
إخوةَ الإيمانِ ، أمُّنا أمُّ عبدِ الله عائشةُ رضي اللهُ عنها تعرَّضَتْ لبلاءٍ عظيمٍ ومحنةٍ شديدةٍ ، حيث قَذَفَها المنافقون والسمَّاعون لهم بِعِرْضِها واتَّهموها بِشَرَفِها ، وكعادةِ قَالَةِ السُّوءِ والمنافقين وأعداءِ الدينِ فقد راحُوا ينشرون الخَبَرَ ويَنْسُجُون حوله الافتراءاتِ ؛ والتي تَدَاعَت إلى أُذُن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وأثَّرت في نفسِه ؛ وكان وَقْعُها شديداً على أبيها أبي بكر رضي الله عنه وأمِّها أمِّ رُومَانَ رضي الله عنها وعلى جميعِ المسلمين ، وبكت أمُّنا عائشةُ بُكاءً شديدا ، حتى ظنَّ أبواها أنَ البكاءَ فالقٌ كَبِدَها ، وخَرَّتْ مَغْشِيَّا عليها ، فما استفاقَتْ إلا وعليها حُمَّى ، فَأَلْقَتْ عليها أمُّها كلَّ ثوبٍ في البيِت وغَطَّتْها ، وقد مَكَثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شهراً لم يُوْحَ إليه شيءٌ في شأنِ عائشةَ ، وبعد مضيِّ شهرٍ من هذا البلاءِ العظيمِ نزلَ الوحيُ ببراءتِها ، فسُرِّيَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وهو يضحكُ ؛ فكان أولُ كلمةٍ تكلَّم بها : «يا عائشةُ احمدي اللهَ فقد برَّأكِ» رواه البخاريُّ ومسلمٌ ، وأنزل الله عز وجل: ﴿إنَّ الذين جَاؤُا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكم ...﴾ العشرَ آياتٍ كلَّها ، قال ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ : هذه العشرُ الآياتِ كلُّها نزلت في شأنِ عائشةَ أمِّ المؤمنين ، رضيَ اللهُ عنها ، حين رماها أهلُ الإِفكِ والبهتانِ من المنافقين بما قالوه من الكذبِ البَحْتِ والفِرْيَةِ التي غَارَ اللهُ تعالى لها ولنبيِّه ، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه ، فأنزلَ اللهُ عز وجل براءتَها صيانةً لعِرْضِ الرسولِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ . انتهى كلامه رحمه اللهُ .
ومع هذه المنـزلةِ العاليةِ والتَّبْرِأةِ
الرَّبَّانيةِ تَتَواضعُ وتقولُ : فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا حِينَئِذٍ أعْلَمُ
أنِّي بَرِيئَةٌ ، وأنَّ اللَّهَ يُبَرِّئُنِي ، ولَكِنِّي واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ
أنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى (ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى
رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ)
، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى
، وأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾
العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا . رواه البخاريُّ .
ورجعَ المنافقون بالخزيِ ، فانكشفَ كَذِبُهم
وبهتانُهم ؛ فاللهُ من ورائِهم محيطٌ ؛ ويمكرون ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين
، وهو جَلَّ وعلا لدينِه حافظٌ ولرسولِه عاصمٌ ، وللمؤمنين والمؤمنات وليٌ وناصرٌ ،
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ
بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي
تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ .
أقولُ قولي هذا ، وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لي
ولكم فاسْتَغْفِرُوهُ ، إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى
ودينِ الحقِّ ، ليُظْهِرَه على الدين كلِّه ، وكفى باللهِ شهيداً ، أمَّا بعدُ ، عبادَ
اللهِ :
أما بعدُ ، أيها المؤمنون ، أنَّ فَضْلَ
عائشةَ رضي اللهُ عنها عظيمٌ لا يَعْرِف عِظَمَه إلا أهلُ الإيمانَ .
ولقد عَرَفَ فضْلَها الملائكةُ الكرامُ
، بل أفضلُ الملائكةِ وهو جبريلُ عليه السلامُ ، ففي صحيحِ البخاريِّ يقولُ رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ : «يا عائشُ ، هذا جبريلُ يُقْرئُك السَّلامُ» .
عبادَ اللهِ ، إنَّ انتقاصَ أحدٍ من صحابةِ
رسولِ اللهِ صلَّى اللهِ عليه وسَلَّمَ إساءةٌ لنبيِّنا فَهُمْ أصحابُه ، وقَدْحٌ في
الإسلامِ فَهُمْ مَنْ نَقَلَه ، ويعظُمُ الذَّنْبُ والجُرْمُ فيمن لـَمَزَ أو هَمَزَ
أو انتقَصَ إحدى زوجاتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم .
وقد أجمعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ مَنْ اتَّهمَ
عائشةَ في عرضِها فقد انسلخَ من رِبْقَةِ الإسلامِ لأنه مكذبٌ للهِ والعياذُ بالله
.
فاحمدوا اللهَ على نعمةِ التوحيدِ والسُّنَّةِ
، واحمدوه على نعمةِ تعظيم ِشرعِ اللهِ ، وعلى تعظيمِ سنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم ، وعلى نعمةِ إجلالِ زوجاتِه وصحابتِه ، رضي الله عنهم أجمعين .
قال تعالى : ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ .
اللهُمَّ إنَّا نشهدُك على حبِّنا لأُمِّنا
عائشةَ رضيَ اللهُ عنها ولكلِّ صحابةِ رسولِك وأزواجِه وآلِ بيتِه الطيبين ، اللهُمَّ
فاحشرنا في زُمْرةِ نبيِّك وصحابتِه الكرامِ ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّم على نبيِّنا
محمَّدٍ ، وارضَ اللهُمَّ عن صحابتِه وأزواجِه أمَّهاتِ المؤمنين ، وعن التابعين لهم
بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك .
اللهُمَّ إنَّا نبرأُ أليك ممَّنْ سَبَّهم
أو انتقَصَهم ، اللهُمَّ إنَّا نبرأُ إليك من ذلك .
اللهُمَّ اغفرْ لنا ذنوبَنَا ، اللهُمَّ
اغفرْ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا ، وثَبِّتْ أقدامَنا ، وانصرْنا على القومِ
الكافرين ، اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ ، اللهُمَّ
إنَّا نعوذُ بك من الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ ،
اللهُمَّ إنا نسألُك المغفرةَ والعفْوَ
والعافيةَ والجَنَّةَ ، اللهم إنا نسألُك فِعْلَ الخيراتِ ، وتَرْكَ المنكراتِ ، وحُبَّ
المساكين وأنْ تَغْفِرَ لنا وترحَمَنا وتعفوَ عنَّا وتَتَقَبَّلَ مِنَّا .
اللهُمَّ وفِّقْنا للعملِ الصَّالحِ الذي
يُرْضِيكَ عنَّا ، اللهُمَّ إنا نسألُكَ مُوجِبَاتِ رحْمَتِك وعزائمَ مغفرتِك ، والعزيمةَ
على الرُّشْدِ والغنيمةَ من كلِّ بِرٍّ والسلامةَ من كلِّ إثمٍ والفوزَ بالجنَّةِ والنجاةِ
من النارِ ، اللهُمَّ إنا نسألُك متفائلين أنْ تجعلَ عامَنا الهجريَّ الجديدَ عامَ
أمنٍ وإيمانٍ وسلامةٍ وإسلامٍ ونَصْرٍ وتمكينٍ وهزيمةٍ للكافرين وتفريجٍ لكربِ المكروبين
من المسلمين ، ورَفْعٍ للبلاءِ عنَّا وعن المسلمين ، وصلاحٍ لدينِ ودنيا أُمَّةِ محمَّدٍ
أجمعين يا
حَيِيُّ يا كريمُ يا رحمنُ يا رحيمُ يا
ذا الجلالِ والإكرامِ .
اللهُمَّ ثَبِّتْ قلوبَنا على الدينِ ، اللهُمَّ اجعل القرآنَ ربيعَ قُلوبِنا ، ونورَ صُدورِنِا ، وجَلاءَ أحزَانِنِا ، وذهابَ هُمُومِنا ، اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المهمومين من المسلمين ، ونَفِّسْ كَرْبَ المكروبين ، واقضِ الدينَ عن المدينين ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين ، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين .
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذلَّ
الشركَ والمشركين ، ودَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدين ، واجعلْ هذا البلدَ آمناً مطمئناً
وسائرَ بلادِ المسلمين ، اللهم آمِنَّا في دورِنا ، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا
، اللهم وَفِّقْ ولاةَ أمرِنا لما تحبُّ وترضى ، وخُذْ بنواصيهم للبرِّ والتقوى ، اللهم
أصلحْ أحوالَ المسلمين في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين
اللهُمَّ اغفرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا
، وأَصْلِحْ قلوبَنا وذريَّاتِنا وأزواجَنا ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ
عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق