خطبة بعنوان سرور الخاطر في أهمية مراعاة المشاعر
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ تعالى، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ ربي لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: ١٠٢]
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تََسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠-٧١]
أَمَّا بَعْدُ:
فإِنَّ خَيْر الحديث كَلامُ اللهِ ،وَخَيْر الْهَدْى, هَدْى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،وَشَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ
نسأل الله لنا ولكُم النَجاة مِنْ كُل بِدْعَةٍ وضَلَالَةٌ ونَستعِيذُ بالله من سخطه وعذابه والنار.
أيها المسلمون عباد الله
لقد تكلمنا في الجمعة الأولى حول معونة الله لعباده وتوفيقه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، لمن استقام على دينه وشرعه وذكرنا شيئاً من عظيم فضله على خلقه ومن عظيم منته وكرمه على من يشاء، وإني في خطبتي هذه أحببت أن أذكر نفسي وإخواني بأهمية مراعة المشاعر للأخرين.
أيها المسلمون عباد الله
إن مراعاة المشاعر للآخرين إنها صفةٌ حميدة قررتها الشريعة ودعى إليها الإسلام الحنيف، لأن المشاعر هي دلائل على سعادة العبد وفلاحه أو متاعبه وشقاوته عياذاً بالله عز وجل، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بدعوة المسلمين إلى مراعاة مشاعر بعضهم بعضاً وعدم جرح مشاعر بعضهم بعضاً،
وجاء في الكتاب والسنة تحذيرٌ للمسلمين من الدخول في هذا الباب العظيم وهو جرح المشاعر للآخرين قال الله -عزَّ وجلَّ- وجل في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ﴾[الحجرات : ١٠]
وقالَ الله -عزَّ وجلَّ- ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾[الحجرات : ١٢]
وهكذا قال الله عن محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ، مع صحابته ﴿ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا ﴾[الفتح : ٢٩]
مَعَاشِر اَلْمُسْلِمِينَ :-
إن الكلمة الواحدة قد تؤثر في النفوس مالا تؤثر فيه الأمراض ولقد ذكر كثيرٌ من له خبرةٌ بالحالات النفسية أن الكلمات في جرح مشاعر الآخرين لها ألمٌ ووقعةٌ كألم البدن الحقيقي فحافظ على مشاعر الآخرين، وإياك أن تكون سهماً صايداً تصيب به قلوب الأخرين فترسل عليهم الكلمات ويجد أهلها بعدها الأنات ورب رجل أرسل كلمة من الكلمات فوصلت إلى قلبٍ مجروح فجعلت القلب لا يهنأ نوماً ولا يجد سعادةً ولا راحة، ورب كلمةٍ من الكلمات جُرحت بها المشاعر فكانت في بدايتها كلمة جُرحت بها المشاعر وفي نهايتها اشتعلت الفتن وأردت الناس إلى القتل والقتال، رب كلمةٍ جُرحت فيها المشاعر فجعلت صاحبها يرفع كف الضراعة إلى الله سائلاً الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أن يأخذ بحقه، ورب رجل جُرح له المشاعر فانكسر قلبه وذرفت عيناه وصار يتأوه ويخرج التأوهات بالأعداد الكثيرة الكبيرة ،
لأن هناك كلمة أُرسلت إليه فجرحت له المشاعر، وهناك من المشاعر من أوذيت ورب رجل جرح مشاعر الآخرين ولا يشعر أن الآخرين يئنون من جرحه، ولا يشعر أن الآخرين يشكون من جرحه، إن هناك أناس لا هم لهم بمشاعر الآخرين، ولا مراعاة لهم بمشاعر الآخرين، إن وحشي الذي قتل حمزة -رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنْه-، وصل إلى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ له النبيُّ من؟ قتل وحشي،
قال أنت الذي قتلت حمزة، قال يا رسولَ اللهِ قد كان ما بلغك من الأمر، لم يقل نعم قتلته، لم يقل نعم أنا الذي فعلت وفعلت وإنما جاء بكلمةٍ فيها الاعتذار وفيها الانكسار وفيها الندم، وفيها المحافظة على مشاعر محمدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ
يمر رسولِ اللهِ على غلام وهذا الغلام كان له عصفور وكان كثيراً ما يلعب به فمات هذا العصفور فإذا بالغلام يئنَّ قلبه وإذا به في حزنٍ شديد فيمر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فيقولُ يا عمير: ما فعل النُغير تسليةً له وتلميمٌ لجرح مشاعره والحرص الشديد من أجل أن يلملم ما لمَّ بقلبه من الجرح إنه خاتم الأنبياء وسيد الأنبياء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
هاهو النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يؤتى إليه بالغلام فيقوم بتحنيكه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرد هذا الغلام ، وإنما مراعاةً لمشاعر الآخرين واهتماماً بالمحافظة على مكانة الآخرين لم يجرح قلباً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ، لم يجرح قلب من جاءه من أجل ما سمعت إنها مراعاة المشاعر
أيها الناس :-
كم لها من الآثار الحسنة، وكم لها من الفضائل الجمة إذا رعيت مشاعر الأخرين تجد في ذالك من الآثار الحسنة قال: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ « من نفس عن مؤمنٍ كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة »
إنها المشاعر هذا مكلومٌ ومهموم نفست كربته وأرسلت عليه الفرحة وجعلت حياته تفوح وقلبت حزنه إلى فرحٍ وسرور فكافأك الله -عزَّ وجلَّ- بأنه يفرج عنك الكرب« ومن ستر مسلماً ستره الله »رب رجل قد ارتكب ذنباً أو معصية فستره فلانٌ أو فلان فحافظ على مشاعره ولم يفضح فستره الله، إنها الخصلة الحميدة، إنها الصفة الجميلة لم يتصف بها أحد الناس، إنما اتصف بها البلاغا وحرص عليها العقلاء، وسعى إلى لملمتها أهل الرأي، وحافظ عليها أصحاب الحكمة، وصار في دربها الحلماء، وكانوا من أهلها الصلحاء فعاشواْ عيشةً سعيدة، وإن ماتواْ ماتواْ ميتةً حميدة، ثناء الناس بعدهم في حياتهم وإن كانوا تحت التراب كان الناس لهم يثنون ولهم يدعون.
وإن هناك أناس جرحوا قلوب الآخرين ومشاعر الآخرين فعاشواْ في جرحٍ للآخرين وماتوا فوجدواْ الدعاء عليهم يلاحقهم وهم رفات وعظام في ظلمات القبور.
حافظواْ على مشاعر الآخرين، إسعواْ إلى لملمتها، كونوا من أهلها وروادها، كونوا ممن يحافظ على كلماته وأقواله حتى يعيش الآخرون في كنفه في سعادةٍ ونجاة.
وسأسوق لكم بعضاً مما نحتاجه في مراعاة مشاعر الآخرين
إن هناك أناس هدرت مشاعرهم، وإن هناك أناس لم يلتفت إلى المحافظة على مشاعرهم بل كانواْ في عالم اليأس من بعض الناس، وإن هناك أناس لم يزالوا بالمحافظة على مشاعر الآخرين وبالاهتمام بها، فممن يحتاج أكثر إلى مراعاة المشاعر، إنهم كبار السن،،، إنهم كبار السن،
إن هناك رجال شابت لحاهم في الإسلام، إن هناك من كبار السن من ضعف بصره وضعف سمعه واحدودب ظهره ورق عظمه وصار هذا في محل احتقارٍ عند الشباب، إن تكلم لا يُسمع وإن كان في طريق أُهين وإن كان في مجلسٍ يُحب أن لا يتكلم راعواْ مشاعر هؤلاء، كذالك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم سيأتي يوم من الأيام وتصل إلى ما وصل هؤلاء والجزاء من جنس العمل.
راعواْ مشاعر الآباء، راعواْ مشاعر كبار السن، راعواْ من صارت لهم الرجل الثالثة وهي العصا يتكئون عليها في أسفارهم، راعواْ مشاعر من لا يسمع إلا إذا ارتفعت الأصوات، راعواْ مشاعر من لا يسمع إلا إذا وضح له أكثر وأكثر، راعواْ مشاعر هؤلاء ستجدون الجزاء لكم يا شباب.
لقد كان هؤلاء لربما كانواْ أقوى منكم في البدن وأصح منكم في العقل وأقوى منكم في الأخذ وأشد منكم في البأس وأقوى في الشجاعة ولكن العمر مر عليهم وصارواْ إلى ماترون ﴿ ۞ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾[الروم : ٥٤]
راعواْ مشاعر هؤلاء، راعواْ مشاعرهم في الطرقات، راعواْ مشاعرهم في أماكن البيع والشراء قدموا كبار السن على غيرهم، قدموا هؤلاء على غيرهم من الشباب لا تسابقوا كبار السن، ولا تتخطوا أماكن كبار السن راعواْ مشاعر هؤلاء وهم يتألمون ألماً لا يحس به إلا من صار في مقامهم وظن أنه في محل التهميش فعاشواْ كأنهم في حالة اليأس راعواْ مشاعر هؤلاء.
النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول« إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم » هذا من إجلال الله إذا أردت أن تعرف هل أنت ممن يجل الله انظر أين أنت ممن يحترم من شابت لحاهم دين الإسلام هؤلاء يتألمون، هؤلاء يشكون، هؤلاء يئنون ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كثيراً ما يشكوا هؤلاء من الآباء والأمهات من قبل الأبناء والبنات، صار بعض الأبناء ينظر إلى كبير السن محل احتقارٍ
وازدرى لا يحب أن يتكلم أو ينطق بين الناس ولا يحب أن يخاطب الآخرين، ولا يحب أن يعطي رأيه ومشاركته، ولا يحب أن يكون هذا ممن يتخاطب مع الآخرين.. إن هذا أبوك.. إن هذا أبوك.. إن هذا أبوك أيها العاصي. إن هذا أبوك اعرف معنى كلمة الأبوة، ومعنى كلمة الأمومة واعطها حقها وإلا فإنها دينٌ عليك سيقوم بقضى هذا الدين في يومٍ من الأيام أولادك وبناتك فانتظر فقط هي أيام وهي سنوات ولا يزال هذا الدين لابد من قضائه والفاتورة لابد أن يقوم بسدادها الأبناء والبنات.
حافظواْ أيها الأبناء حافظواْ على مشاعر هؤلاء... حافظواْ على مشاعر هؤلاء... في زحمتك بين الناس قدم كبير السن في البيع والشراء قدم كبير السن، في التخاطب حافظ على كبير السن، لا ينبغي لك أن تنظر إليه بنظر الاحتقار والازدراء، إنها مراعاة المشاعر.
ممن مراعاة المشاعر معاشر المسلمين
مراعاة مشاعر الآخرين في التخاطب معهم خاطب الآخرين بالخطاب الذي يريدونه، ولا تنابزواْ بالألقاب، إن هناك أناساً لديهم الألقاب لا يُرضون أن ينادواْ بها ويأتي بعض الناس يناديه بها ليجرح مشاعره وليبعث في قلبه ما يكره ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلْأَلْقَٰبِ ۖ بِئْسَ ٱلِٱسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلْإِيمَٰنِ ۚ﴾
لا تنادي شخص بلقبٍ يكره، ولا تنادي الرجل بلقبٍ يكره، ولا تناديه باسمٍ لا يهواه، بل إن الألقاب بحاجةٍ أن ينادى بها أهلها كما هي حافظواْ على مشاعر الآخرين... حافظواْ على مشاعر الآخرين... وحافظواْ على المناداة للآخرين بالألقاب المرموقة وبالألفاظ المطلوبة ولا ينبغي لك أن تنادي فلاناً بلقبٍ يكره، إن هناك من ينادي الأشخاص في وقت الضحك بينه وبينهم بأحب الألقاب فإذا طلعت الخصومة وظهرت الخصومة رجع إلى الألقاب النتنة الشديدة وأرسلها وناداه وعيره بها وذمه ،
إنها جرح المشاعر مثلها كمثل من دق مسماراً في الخشب ثم أراد قلعه فقد يقتلع هذا المسمار الذي وضعته لكن لا يزال أثر الخرق في الخشب، وهكذا هناك من يجرح الآخرين ويرسل الكلمات ثم يأتي بالاعتذارات بعد ماذا، بعد أن جرحت القلوب وكسرت الأفئدة وبعد أن عملت ما عملت من الألفاظ أين مراعاة المشاعر أيها الناس؟
أين المحافظة على الآخرين؟
أين مراعاة المشاعر للآخرين؟
وممن مراعاة المشاعر ترك العادات الجاهلية في باب الأنساب قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم « أربعٌ في أمَّتي من أمورِ الجاهليَّةِ لا يترُكونَهنَّ: ومنها الفَخرُ في الأحسابِ، والطَّعنُ في الأنسابِ، »
إن هناك أناس صارواْ يعيرون الآخرين بسبب نسبهم أنت من كذا وأنت من كذا دعوا الأنساب، ولو فتشنا الكتاب والسنة لرأيتم أن أعظم راية يرتفع بها الرجل أو المرأة إنها تقوى الله ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ﴾
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، في المجمع الأكبر العظيم الذي حضره أكثر من مائة ألف من الصحابة وكان المشهد العظيم، قال كلمةً مدويةً عظيمةً كبيرة نقلها الصحابة ونُقلت إلينا... « لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى »... هنا محل الفوز هنا في يوم القيامة هو الفوز فلا تطعن في نسب الآخرين، ولا تطعن في الأنساب إن هناك مشاعر تجرح،
إن هناك أناساً يضيقون، وإن هناك أناساً لا يبالون بمراعاة مشاعر الآخرين.
الله عز وجل يقول ﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾
والله -عزَّ وجلَّ- يقولُ ﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾
ستجدون هذه الكلمات التي ناديتم بها الآخرين واحتقرتم بها الناس في أنسابهم مدونة لكم بين يدي الله ميزاننا هو التقوى،
رجلٌ يقول أنا فلان ابن فلان ابن فلان ابن فلان ويعدد تسعة، والآخر يقول أنا فلان ابن فلان ابن الإسلام هنا الميزان، هي تقوى الله، هي المراقبة لله، هي المحافظة على دين الله،
فلا تنظر إلى من ضعف نسبه وإلى من كان ذا نسب كذا وكذا فلا تطعن في نسبه لعله عند الله أقوى، ولعله عند الله أثقل، ولعله عند الله أعظم فراعواْ مشاعر الآخرين..
راعواْ مشاعر الآخرين فإن هذا مما جاء به الدين الحنيف وقررته الشريعة السمحة.
أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحابته أجمعين .
أما بعدُ مَعَاشِر اَلْمُسْلِمِينَ :
إن هذا الدين الحنيف جاءنا بكل خيرٍ لنا في الدنيا والآخرة وحذرنا من كل شرٍ في الدنيا والآخرة وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم كل خير وحذرنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، من كل شر فمما دعانا إليه المحافظة على الآخرين.
ومما يحتاج إلى مراعاة المشاعر بين الرجل وزوجته ، فإن هناك رجالاً وإن هناك من النساء من لاتراعي المرأة مشاعر زوجها،
ولا يراعي الرجل مشاعر زوجته هذا أبو عثمان النيسابوري هذا الرجل كان ذا شأنٍ عظيم كان أهله يبحثون له عن امرأةً يتزوجها ،
ففي ذات يوم جاته امرأة وهو في طريقه وقالت له يا أبا عثمان إني أريد الزواج بك، أي لم يتقدم لي أحد واسألك بعظمة الله فلما رأى سؤالها ذهب إلى أهلها وقام بخطبتها ولا يعرف حالها ولا أمرها ،
فلما زُفت إليه قال والله ما رأيت شيئاً أشد في نظري منها ولقد بغضتها بغضاً شديداً لدمامة خلقتها ،
قال فبقيت على هذا خمسة عشر سنة وأنا صابرٌ عليها لايهنأ لي حال من شدة ضيقي من أمرها حتى ماتت وهو أرجى عمل أتقرب به إلى الله -عزَّ وجلَّ- راعى مشاعرها لم يهتك المشاعر.
إن هناك أناس هتكواْ المشاعر بينهم وبين زوجاتهم ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله قال تزوج رجلٌ بامرأة فدخلت عليه في يوم عرسها وكان بها الجذري قد ألم بها ألمّاً شديداً فرأه الزوج ورأى عليها أثر الحياء والخجل، أي من شدة الجذري الذي قد ألمّ بها وصارت صورتها غير مرضية قال فأدعى أنه أصيب بالعمى وبقي على ذالك حتى ماتت،
فكان يخرج أمام الآخرين ينظر وإذا وصل إلى البيت إدعى أنه لايرى شيئاً فكانت امرأته تعيش في سعادةٍ قلبية وفرحٍ وسرورٍ وبهجه أن زوجها لا يرى وعاش على ذالك مراعاة لمشاعرها ويقول إنه عمل أرجوه لي عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-،.
كم من الأزواج؟ وكم من الزوجات لا تراعي مشاعر الزوج الناس في عناء والحروب قد حلت والأمور صعبةٌ في البلاد فيعيش الناس في قلة ذات يد وتعيش المرأة مع زوجها في شدة العناء وتتكلم عليه وتدخله في المحرجات وتلومه على عدم الاستطاعة على كسب الكثير فيعيش الزوج في تحرجٍ وعناء لايدٍ طويلة ولا عينٌ طويلة إنما الأمر بيد الخالق عز وجل فيعيش الزوج في بيته في إكتئاب وضيق لاتراعي مشاعره ولا تنظر إلى حاله ولا تعيش على أمره، إن تكلم معها أحد النساء أفشت سر حالة بيتها وشوهت بسمعة زوجها ورفعت تقارير زوجها إلى إمها وأبيها فجعلت الزوج يعيش في ذلةٍ وانكسار أين مراعاة المشاعر،
أين المحافظة على الحقوق الزوجية؟ أين مراعاة مشاعر الأزواج ؟
والنظر إليهم بعين الاعتبار ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ)
هذه قسمة الله لك ولها.
وإن هناك من الرجال من إن اتزوج بامرأة لا يزال لها طاعناً إما في هيئتها وإما في إمور إخرى لا يزال لها معيارا إما في أهلها وإما في ذاتها وإما في عملها فيعيش دائماً في محل طعنٍ وازدرى وفي محل احتقارٍ وظلم فتعيش المرأة عنده في محل كسرٍ للخواطر وجرحٍ للمشاعر ، أحياناً يتمنى البعض الموت ولا أن يبقى تحت ذل المعيشة هذه، فراعواْ كل واحد يراعي مشاعر الأخرين ويحافظ على الأخرين.
وممن مراعاة المشاعر... مشاعر الأقارب...مشاعر الأقارب... إن هناك من الناس من هو أحسن الناس للناس وأسوأ الناس مع الأقارب، إن هناك من الرجال من تراه مع الناس في دهاءٍ عجيب وفي إخوةٍ قوية وفي ترابط أسريٌ عظيم بالرغم أن المعرفة بينهم إخوية وهي أجل المعارف معارف إخوة الدين.
لكن يأتي إلى أقاربه لايجدون منه إلا الظلم، لا يجدون منه إلا الاحتقار ينظرون إلى معاملته مع الناس فيستغربون وينظرون إلى معاملته معهم فيئنون، إن الأقارب أنت مأجور بأجرين ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : « إن الصدقة على الأقارب صدقةٌ وصِلةٌ .»
فراعواْ مشاعر الأقارب أيها الناس من أخٍ وأخت وخالٍ وخالة وعمٍ وعمة وجدٍ وجدة ومن باب أولى الأب والأم، راعواْ مشاعر الأخرين وحافظو عليهم تجدون الأجر والثواب من الله -عزَّ وجلَّ-.
ومن جرح المشاعر مشاعر من يقومون بالمهن التي فيها الخدمة للناس والتيسير لأمور الناس.
إن هناك من الناس من يحتقر الأخرين من لديهم الأعمال التي في الحقيقة هي رفعةٌ للجميع ولولا وجود هؤلاء لكان هؤلاء على غير الحاله التي هم عليها فراعواْ مشاعر الأخرين بمن كانواْ في أي عمل وفي أي بابٍ من الأبواب لاتحتقر صاحب مهنة فإنه يكد برزقه ويتعب بعرقه فهو خير من ذاك الذي يسرق، وخير من ذاك الذي يحتال وخيرٌ من ذاك الذي يخلف يدور فهو يأكل بعرق جبينه مهما كان العمل رفع العمل أم وضع رأم شعر الأخرين واعلمواْ أن هؤلاء عاشوا لأنفسهم فأكلوا من عرق جبينهم وتعبوا مما علمته أيديهم فهم بذالك ملوك على الأشرة، وهم يأكلون الأكل الطيب
راعواْ مشاعر الأخرين مهما كانت المهن، ومهما استصحبت الأعمال فلكلٍ جعل الله عز وجل له رزقاً على مايشاء وعلى ما يهيئ فإياك أن تحتقر الأخرين، وإياك أن تزدري صاحب مهنة لا ترتضيها أنت أو لاتهواها أنت فقد رضيها لنفسه ووافق عليها لنفسه وأراد أن يعيش لنفسه حراً مفرد بيده يأكل وبتعبه يشرب وسعادته في راحة نفسه فهؤلاء عاشواْ كما سمعتم عيشةً طيبة، وعاشواْ لأنفسهم كما سمعت.
ومن مراعاة مشاعر الأخرين، مراعاة مشاعر الفقراء ومراعاة مشاعر المساكين، ومراعاة مشاعر الأيتام، إن هناك أناس يرسلون الكلمات المأذية فيأتي يقول هذا تربية أرملة وذاك يقول هو يتيم وذاك يأتي بالألفاظ النابئة التي لا توافق الشرع ولا توافق عادات وقبائل الأحرار بل يوافق هوى من لا يعرف الأحكام الشرعية غالباً فأقول راعواْ مشاعر هؤلاء.
إن هناك فقراء الجأهم الحال إلى أن يسألوا الناس، إن هناك فقراء الجأهم الحال إلى الضعف وقلة ذات اليد فإياك أن تحتقره.
يا من يركب السياره الفارهه، يا من لديك العمل، يا صاحب المحل، يا صاحب التجارة إياك أن يأتي إليك الفقير فتنظر إليه نظر ازدرى يرفع يديه إليك سائلاً وتنظر إليه بالعين شزراً واحتقارا لا تحتقر فإن هذا جسمٌ بشري له عظم ولحم وعصب وله قلب وشعر وعين كما لك أنت وهو يتألم كما تتألم الجأته الحاجه وبسبب قلة ذات اليد وخرج بالضرورة وسيره الله إليك اعلم أن هذا رزق ساقه الله إليك إياك أن ترجعه مكسور الخاطر قال الله عز وجل ﴿ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾
فلا تنهر سائلاً رفع يديه إليك أو تتطلب منك طعاماً أو جاء يسأل إليك حاجه قلة ذات يد أو فقير أو ألمَّت به مصيبة أو حلت عليه إمور إياك أن تحتقر هؤلاء بل إفرح أن الله ساقه إليك فلعل هماً فرجت وعسرٍ يسرته وجوعٍ أشبعته وعريٍٍّ كسوته فوجدت لذالك الأمور الحميدة ووجدت بذالك السعادة الأبية فحافظو على مشاعر الأخرين واسعواْ للأخرين بالمحافظة الصحيحة أختم بها.
وممن مراعاة المشاعر مشاعر الأقارب من النساء ، إن هناك من النساء من طلقت، إن هناك من النساء من ضعفت، إن هناك من النساء من سارت عند أهلها في حالة تعبٍ وعناء فتجد من إخوانها الكلمات التي تجرح بها المشاعر وتُألم بها القلوب بل تجد ذالك من الآباء والأمهات فتعيش المرأة في اكتئاب لا وجدت منفذاً في حياتها ولا وجدت راحةً في حجر إبيها وإمها بل عاشت ترصد عليها الكلمات الموت أهون لها قد تدعواْ على نفسها بالموت وقد ترفع أكفها إلى سائل له عاجلة الوفاة بسبب ضيق الحال وبسبب ما تعانيه راعواْ هؤلاء واعلموا أنكم مأجورين
وكل شيءٍ لكم عند الله بمقدار فستجدون الأجور على ذالك أو الوزر والإثم إن أسأتم وتصرفات والأعمال فأحسنوا،،، أحسنوا معاشر المسلمين واسعواْ إلى الأخلاق الحميدة وراعواْ مشاعر الأخرين وحافظوا على كلماتكم مهما عظم مكانه ومهما كبر مكانه فإن الناس لهم قلوب كما لك قلب، ولهم جوارح كما لك جوارح، ولهم لحم وعظم كما لك لحم وعظم لكن الله مكنك ولكن الله أعطاك فإياك أن تكسر خاطرا أو تنظر بعين ضعف واحتقار لغيرك فالذي أعطاك هو الله والذي قادر يمنعك منه هو الله، والذي بيده السلب ما في يديك هو الله .
فاسأل الله لك التوفيق، واسأل الله لك رضى الأخرين وعش مراضياً للأخرين على وفق ماجاء به النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وساير بلاد المسلمين.
اللهم عافنا في أسماعنا وعافنا في أبصارنا وعافنا في قواتنا وعافنا في قلوبنا وعافنا في ديننا ياسميع الدعاء يارب العالمين.
اللهم ألف بين قلوب عبادك على الخير وجمع كلمتهم على التقوى.
من كان مريضاً فاللهم إشفه من كان مهموماً فارفع همه، من كان مغموماً فارفع غمه، من كان مديوناً فأقضي دينه، من كان مبتلاً فعافيه يارب العالمين.
اللهم إجزئ آبائنا وأمهاتنا عنا خير ماجازيت عليه عبادك الصالحين،
اللهم إجزئهم عنا الجنة يارب العالمين
اللهم إرفع عنا وعنهم البلاء وأحلل لنا ولهم الخير يا سميع الدعاء وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
أكتب تعليق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق