إقرأ ايضاً

خطبة بعنوان ( الصدق في الاقوال والافعال ) للشيخ / ثروت سويف

Unknown - فيبراير 23 2023

أبو بكر الصديق خليفة رسول الله ـ صلاة الرواتب الشيخ ابن عثيمين

صديق - فيبراير 19 2023

خطبة عن (مناسك الحج – وفاة الشيح ابن حميد) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

صديق - فيبراير 19 2023
جاري تحميل ... كنز الخطباء

إعلان الرئيسية

خطب الفضائل والمأمورات

خطبة بعنوان ( الصدق في الاقوال والافعال ) للشيخ / ثروت سويف

 خطبة الجمعة القادمة 3شعبان 1444هـ الموافق 24 فبراير 2023م للشيخ / ثروت سويف

 تحت عنوان ( الصدق في الاقوال والافعال )

إقرأ في هذه الخطبة 

اولا : حقيقة الصدق ومعناه وثوابه ؟ 

ثانيا : ميادين الصدق ثلاثة

الصّدق في الأقوال والصّدق في الأعمال والصّدق في الأحوال


Islamic-Friday-sermon


الخطبة الأولي

الحمد لله الذي جعل في سِيَر الصالحين عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، وجعل في الصادقين منهم أسوة وقدوة للمقتدين وأعد لهم بإيمانهم وصدقهم الفوز المبين

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، الملك الحق المبين رب العرش العظيم الذي قال في محكم التنزيل ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الذين أثنى الله عليهم بالصدق ووصفهم به والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين   

 أما بعــــــــــــــــــــــــــد                             

فإن للصدق منزلة عظيمة عند الله عز وجل ، وهي التي تتلوا منزلة النبوة مباشرة، وسميت بهذا الاسم لأنها تحمل كل معاني المبالغة ، في الصدق قولا وفعلا وسلوكا، لذلك اشتق لها هذا الاسم الذي يدل على المبالغة في الصدق ‏ 

قال ابن القيم في مفتاح دار ‏السعادة، في كلامه على مراتب ‏السعداء:

فأما ‏مراتب الكمال فأربع : 

1- النبوة . 2- ‏والصديقية . 3- والشهادة . 4- والولاية 

وقد ‏ذكرها الله سبحانه في قوله تعالي : ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].

اولا : حقيقة الصدق ومعناه وثوابه ؟ 

إن الصدق هو الثبات المتصل بالله، والموصل إلى الله وهو أقصر طريق للإقناع

فالصدق: هو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً"، وهو مطابقة الحكم للواقع او الكلام لمقتضي الواقع وهو ضدّ الكذب 

وهو إخبار الإنسان بما يعتقد أنه الحق، سواء كان بالكلام أو بالعمل كالكتابة أو الإشارة من نطق به علت على الخصوم كلمته

الصدق به يتميّز أهل النفاق من أهل الايمان وسكان الجنان من أهل النيران وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء الا أقامه ولا واجه الباطل إلا أرداه وصرعه            قال الله تعالى(( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ))الأحزاب24

وأما ثواب الصدق في الآخرة فرضوان الله تعالى، والدرجات العلا من الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ففي القرآن العظيم قال الله جل وعلا ( هَاذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [المائدة:119] 

ان ثواب الصدق الجنة فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ". رواه أحمد

أخي الكريم، للصالحين والفضلاء في الصدق أقوال جميلة وعبارات سديدة أتحفك ببعضها: يقول امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (عليك بالصدق وإن قتلك) وقال أيضاً: (لأن يضعني الصدق ـ وقلّ ما يفعل ـ أحب إلى أن من أن يرفعني الكذب وقلّ ما يفعل) وقال : (قد يبلغ الصادق بصدقه. ما لا يبلغه الكاذب باحتياله) 

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : (أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : "ما كذبت مذ علمت أن الكذب يشين صاحبه" 

وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله : "والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت" وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: "لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصدق أحب إلى من أن أضرب بسيفي في سبيل الله"

وقال الشعبي رحمه الله : "عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك فإنه ينفعك. واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك" 

وقال خليفة المسلمين عبد الملك بن مروان لمعلم أولاده : علمهم الصدق كما تعلمهم القران".

ثانيا : ميادين الصدق الصّدق في الأقوال والصّدق في الأعمال والصّدق في الأحوال 

قال ابن القيّم- رحمه الله-: والصّدق ثلاثة:

الصّدق في الأقوال والصّدق في الأعمال والصّدق في الأحوال 

فالصّدق في الأقوال: استواء اللّسان على الأقوال كاستواء السّنبلة على ساقها.

والصّدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة، كاستواء الرّأس على الجسد.

والصّدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص. واستفراغ الوسع وبذل الطّاقة

فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال، كاستواء السنبلة على ساقها.

ولا يطلب به من أحد من الناس جزاء ولا شكورا يقول الحق ولو كان مرا لا تأخذه في الصدق مع الله لومة لائم فصدقه في أقواله هو مطابقة مظهره لمخبره 

عباد الله : اصدقوا مع الله واصدقوا مع عباد الله، تكتبون من الصادقين جاء في "الصحيحين" من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًاً، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا )مسلم

قال الله تبارك وتعالى علي لسان سيدنا ابراهيم ( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) الشعراء

ويقول الشاعر:

عَوِّدْ لِسَانَكَ قَوْلَ الصِّدْقِ تَحْظَ بِهِ     إِنَّ الِّلسَانَ لِمَا عَوَّدْتَ يَعْتَادُ

مُوَكَّلٌ بِتَقَاضِي مَا سَنَنْتَ لَهُ           فِي الصِّدْقِ وَالكِذْبِ فَانْظُرْ كَيْفَ يَرْتَادُ

حث الإسلام على الصدق ودعا إليه، ووعد عليه الأجر الطيب والثناء الحسن، فلقد ذم الكذب وحذر منه ونهى عنه وجعل له العواقب الوخيمة

إن الصدق في الأقوال يصل بصاحبه إلى الصدق في الأعمال والصلاح في الأحوال، وإن حرص المسلم على التزام الصدق فيما يتكلم به يجعل ضياء الحق يسطع على قلبه وعلى فكره، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71]

كان الصّدق من خصائص أقواله صلّى الله عليه وسلّم، يقول صاحب جلاء الأفهام ما خلاصته: لقد كان صلّى الله عليه وسلّم محفوظ اللّسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصّدق مجانبا.. 

روي ابن ماجة عَنِ ابْنِ عُمَرَ , رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَحْلِفُ بِأَبِيهِ , فَقَالَ: " لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ , مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ , وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ , وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ ".

في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي " البخاري

وكانت قريش كلّها تعرف عنه ذلك، ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرّسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرّسالة، ومن لزم الصّدق في صغره كان له في الكبر ألزم، ومن عصم منه في حقّ نفسه كان في حقوق الله أعصم

وبعد البعثة المباركة كان تصديق الوحي له مدعاة لأن يطلق عليه أصحابه «الصّادق المصدوق» وصدق الله- عزّ وجلّ- إذ قال: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم/ 2- 4) .

والصدق في الأعمال: 

استواء الأفعال على الأمر والمتابعة، كاستواء الرأس على الجسد.

وهذا يستلزم أن يجاهد الإنسان نفسه لتكون سريرته وعلانيته واحدة، وألا تدل أعماله الظاهرة على أمر باطن لا يتصف به حقيقة كمن يتظاهر بالخشوع في الظاهر، والقلب ليس كذلك، ولذا كان بعض السلف يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع. وقال يزيد بن الحارث: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته فذلك النصف، وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور. وقال معاوية بن قرة: من يدلني على بَكاء في الليل بسّام في النهار؟!

والأمثلة في الصدق مع الله والإخلاص لله كثيرة ومنها: قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فقال بعضهم لبعض: إنه والله لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق الله فيه، توسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فكان كل واحد يذكر أرجى ما عمل في حياته لله وأصدق ما حصل منه لله حتى كان السبب في انفراجها ذلك الرجل روي البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ البَقَرِ وَرَاعِيهَا، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ البَقَرَ وَرَاعِيَهَا، فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ " صحيح البخاري

من الصدق في الافعال صدق التجار روي الترمذي عن رفاعة- رضي الله عنه- أنّه خرج مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المصلّى فرأى النّاس يتبايعون. فقال: «يا معشر التّجّار» ! فاستجابوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارا، إلّا من اتّقى الله وبرّ وصدق» الترمذي

الصدق في تناول الشائعات والاخبار وهذا بدوره يتطلب من الناقل التثبت فيما يقال واجتناب الظنون والأوهام والحذر من التحدث بكل ما يسمع روي الامام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» مسلم

من صدق الافعال صدق الصحابة حينما صدقوا فضَحوا بالنَّفس والنفيس في سبيل الله.

وروي الحاكم في المستدرك على الصحيحين عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ؟ فَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ أَوْ حُنَيْنٍ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ» فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُمَّ دَحَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ وَقَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهُوَ هُوَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ فَصَدَقَهُ» فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ: «اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا فَأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ» 

ورحم الله أولئك الرجال، طلبوا الدنيا على قدر مكثهم فيها، وطلبوا الآخرة على قدر حاجتهم إليها. لم يضحوا بأموالهم فحسب، بل ضحوا بدمائهم في سبيل الله؛ رجاء ما عند الله، وما عند الله خير للأبرار (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ) وصدقوا فإذا أنت بشاب ناضر الشباب مؤمن بالله اسمه حبيب بن زيد الأنصاري يكلف بمهمة شاقة ؛ ليكون رسولاً لرسول الله إلى مسيلمة الكذاب .يأخذ الرسالة غير وَانٍ ولا متريث ولا متردد، ترفعه النِّجاد، وتحطه الوهاد حتى يبلغ أعالي نجد، ويسلم الرسالة إلى مسيلمة ، فلما قرأها انتفخت أوداجه، وبدا شره، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه. أمر بـحبيب أن يقيد، وأن يعرض عليه من الغد، وما ضر حبيب وقد بلغ رسالة الحبيب صلى الله عليه وسلم فلما كان الغد أذن للعامة بالدخول عليه، وأمر بـحبيب فجيء به يرسف في قيوده وسط جموع الشرك الحاقدة، مشدود القامة، مرفوع الهامة، شامخ الأنف بإيمانه، التفت مسيلمة إليه وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فتميز من الغيظ وقال: أتشهد أني رسول الله -وخسئ-؟ فقال حبيب في سخرية: إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول. فيتغير لون وجهه، وترتجف شفتاه غيظاً وحنقاً ليقول لجلاده: اقطع قطعة من جسده، فبتر الجلاد قطعة من جسده لتتدحرج على الأرض. ثم أعاد مسيلمة السؤال، أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، صلى الله عليه وسلم. قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول. فأمر بقطع قطعة أخرى من جسده لتتدحرج على الأرض، فشخص الناس بأبصارهم مدهوشة مشدوهة من تصميم هذا الرجل وثباته؛ إنه الثبات من الله. مضى مسيلمة يسأل والجلاد يقطع وحبيب يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، حتى صار قطعاً منثورة على الأرض، ثم فاضت روحه وهو يردد: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد رسول الله، محمد رسول الله.

والصدق في الأحوال:

 استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص، واستفراغ الوسع وبذل الطاقة، فبذلك يكون العبد من الذين جاؤوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صدِّيقيَّتُه، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه

وقد أمر سبحانه رسوله أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصّدق، فقال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. (الإسراء/ 80) 

وبشّر عباده أنّ لهم قدم صدق، ومقعد صدق؛ فقال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس/ 2) ، وقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ (القمر/ 54- 55) . فهذه خمسة أشياء: مدخل الصّدق، ومخرج الصّدق، ولسان الصّدق، ومقعد الصّدق، وقدم الصّدق

ان الصحابة اتهموا أنفسهم وهضموها وروضوها على مقابلة الجهل بالحلم، والحمق بالعقل، والإساءة بالإحسان والعفو؛ ركلوا العُجْب والكبر والغرور، فعاشوا سعداء، وماتوا شهداء في حبور.

عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [رواه مسلم].

انظروا الي صدق صاحب النقب يوم أن حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا من الحصون فترة طويلة، وذات ليلة انسلّ أحد المجاهدين وتسلق سور الحصن، ونزل على الحراس، وقتل الحارس وفتح نقباً في السور، ودخل الجيش الإسلامي، واحتل الحصن، ونادى طويلاً، نادى مسلمة طويلاً: أيكم صاحب النقب؟ فلم يتقدم إليه أحد، وذات ليلة وإذا بفارس ملثم يدخل خيمة مسلمة ويقول: أتحب أن تعرف من صاحب النقب؟ قال: نعم، قال: بشرط؛ أن لا تذكر اسمه لأحد، وبشرط أن لا تثيبه ولا تجازيه، قال: نعم، قال: أنا صاحب النقب، ولم يذكر اسمه ثم فر هارباً. فكان بعدها مسلمة كلما توجه إلى القبلة بالدعاء يقول: (اللهم احشرني مع صاحب النقب).

عنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِلحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنِّي أَخَذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلْتُهَا فِي فِيَّ، قَالَ: فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُعَابِهَا، فَجَعَلَهَا فِي التَّمْرِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ التَّمْرَةِ لِهَذَا الصَّبِيِّ؟ قَالَ: " إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ " قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: " دَعْ مَا يَرِيبُكَ، إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ "

 رواه الامام احمد والترمذي والنسائي.

وفي صحيح السيرة أنَّ عُمير بن أبي وقّاص رُدَّ يومَ بَدر لصغره، فبكى فأجازه النبيّ ، قال سعد أخوه: رأيتُ أخي عُميرًا قبل أن يعرِضَنا رسول الله يومَ بَدر يتوارَى حتى لا يراه رسول الله ، فقلت: ما لك يا أخي؟! قال: إني أخافُ أن يراني رسولُ الله فيستصغِرَني ويردَّني، وأنا أُحِبّ الخروجَ لعلَّ الله أن يرزقني الشهادةَ. صدق في أمنيته فصدقه الله وأعلَى درجاته بالشهادة في سبيله

وهذا حكيم وقد آلت إليه دار الندوة التي كانت تعقد قريش مؤتمراتها فيها في الجاهلية، ويجتمع ساداتها وكبراؤها فيها ليأتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، تخيله وهو يتخلص من تلك الدار مسدلاً الستار على ماض بغيض أليم، ويبيعها بمائة ألف درهم، فيقول فتى من قريش: بعت مكرمة قريش يا حكيم ! فقال: [[ يا بني! ذهبت المكارم كلها ولم يبقَ إلا التقوى، أو ما يسرك يا بني! أن أشتري بها داراً في الجنة؟ إني أشهدكم أني جعلت ثمنها في سبيل الله؛ أرجو ذخرها وبرها عند الله ]] وربح البيع.

ثم انظر إليه أخرى يوم يحج بعد ذلك فيسوق أمامه مائة ناقة مجللة بالأثواب الزاهية، ثم ينحرها جميعها؛ تقرباً إلى الله تعالى.

ولا تعجب يوم يحج ثانية فيقف في عرفات ، ومعه مائة من عبيده، قد جعل في عنق كل واحد منهم طوقاً من فضة، نقش عليه عتقاء لله عز وجل ثم يعتقهم جميعاً على عرفات ؛ ويسأل الله عز وجل أن يعتق رقبته من النار.

ثم يحج ثالثة فيسوق أمامه ألف شاة، ثم يريق دماءها كلها في منى ، ويطعم بلحومها فقراء المسلمين؛ تقرُّباً لله -عزَّ وجلَّ- فلا تنساه البطون الجائعة، ولا الأكباد الظامئة، ما دام على الأرض بطن جائع أو كبد ظمأى.

كان المال في يده لا يدور عليه الحول حتى ينفقه في سبيل الله

للهِ دَرُّهُمْ على هذا الصِدْقِ... هَذا هُوَ الصِدْقُ صَدقُوا اللهَ فصدَقَهُم ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب ].

هكذا صدق هؤلاء الأطهار في كل أحوالهم فاستحقوا ان يمتدحهم الله عز وجل ويرضي عنهم رضي الله عنهم ورضوا عنه وامتدحهم رسوله ورضي عنهم فقال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم 

اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم

جمع وترتيب \ ثروت سويف \ إمام وخطيب بالأوقاف المصرية

أكتب تعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *