خطبة بعنوان : عِزَّةُ النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ
النَّاسِ
إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا،
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ
أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-
71].
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْإِنْسَانَ يَسْعَى دَائِمًا إِلَى
كَمَالِ نَفْسِهِ، وَيَحْرِصُ كَثِيرًا عَلَى سَدِّ نَقْصِهِ، وَذَلِكَ بِالِاتِّصَافِ
بِالْأَخْلَاقِ النَّبِيلَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى الْقِيَمِ الرَّفِيعَةِ الْجَلِيلَةِ.
وَإِنَّ مِنْ كَمَالِ الْأَخْلَاقِ، وَرَفِيعِ
الْقِيَمِ وَالْآدَابِ؛ خُلُقَ الْعِفَّةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ؛ فَبِهِ
تُصَانُ الْوُجُوهُ، وَبِسَبَبِهِ تَعْتَزُّ النُّفُوسُ؛ إِذْ يَقْوَى بِهِ التَّوَكُّلُ
عَلَى اللهِ، وَبِسَبَبِهِ يَصْدُقُ الِالْتِجَاءُ إِلَى اللهِ؛ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50]، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان:58].
جَاءَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا
شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ
مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ،
وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ،
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ].
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ
وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَمَا زِلْـتُ مُنْحَـازًا بِعِرْضِيَ جَانِبًا
مِــنَ الـذُّلِّ أَعْتَدُّ الصِّيَانَـةَ مَغْنَمَا
عِبَادَ اللهِ:
لِنَعْلَمْ أَنَّ عِزَّةَ النَّفْسِ تُبْعِدُ
الْإِنْسَانَ عَنْ كُلِّ مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يُقَلِّلَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ
عَنِ النَّاسِ يَجْعَلُهُ رَفِيـعَ الْقَدْرِ عَنْ كُلِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنَالَ
مِنْ مَنْزِلَتِهِ.
فَلَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ عَزِيزًا وَافِرَ
الْقَدْرِ مَا دَامَ مُسْتَغْنِيًا عَنِ النَّاسِ، وَمَا يَزَالُ عَزِيزًا رَفيعًا
مَا دَامَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِمْ إِلَّا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَمَتَى مَا
سَأَلَ النَّاسَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَأَكْثَرَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ بِطَلَبِ الْإِعَانَةِ
مِنْهُمْ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِمْ، وَقَلَّ قَدْرُهُ عِنْدَهُمْ ؛ وَأَصْبَحَ أَسِيرًا
لِمَعْرُوفِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِطَبْعِهِ يَأْسِرُهُ الْإحْسَانُ، وَيُقَيِّدُهُ
الْمَعْرُوفُ.
لِذَا - عِبَادَ اللهِ - أَوْصَى رَسُولُنَا الْكَرِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ، وَحَثَّ عَلَى عِزَّةِ النَّفْسِ وَتَرَفُّعِهَا عَنِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ رَبَّى صَحَابَتَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَايَعَهُمْ عَلَيْهِ؛
فَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً؛ فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟» - وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ - فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟» فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟» قَالَ: فَبَسَطْنَا
أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلَى مَا نُبَايِعُكَ
؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا -وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً- وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ
شَيْئًا». فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا
يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
فَلْنَسْتَغْنِ- مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ-
عَنِ النَّاسِ مَا اسْتَطَعْنَا، وَلْنَجْتَهِدْ فِي أَدَاءِ حَاجَاتِنَا بِأَنْفُسِنَا.
وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ:
فَـلَا ذَا يَــرَانِي وَاقِفاً فِي طَرِيقِهِ
وَلَا ذَا يَـرَانِـــي قَـاعِـدًا عِنْدَ بَابِـهِ
غَنِيٌّ بِلَا مَالٍ عَنِ النَّاسِ
كُلِّهِمْ وَلَيْسَ الْغِنَى إِلَّا عَنِ الشَّيْءِ لَا بِهِ
دَخَلَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكَعْبَةَ،
فَإِذَا هُوَ بِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: سَلْنِي حَاجَةً.
فَقَالَ سَالِمٌ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَسْأَلَ فِي بَيْتِهِ غَيْرَهُ.
فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ: الْآنَ فَسَلْنِي حَاجَةً، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: مِنْ حَوَائِجِ
الدُّنْيَا أَمْ مِنْ حَوَائِجِ الْآخِرَةِ ؟ فَقَالَ: مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَاللهِ مَا سَأَلْتُ الدُّنْيَا مَنْ يَمْلِكُهَا، فَكَيْفَ أَسْأَلُهَا مَنْ
لَا يَمْلِكُهَا؟!.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ صُوَرَ عِزَّةِ النَّفْسِ كَثِيرَةٌ،
وَأَنْوَاعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ: الصَّبْرُ
عَلَى قِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ، وَالتَّصَبُّرُ عَلَى الْفَقْرِ وَالْعَوَزِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى
نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ
عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ
اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا
وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
وَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَعَالَى الْمُتَعَفِّفِينَ
عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ
ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ
بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273].
أَمَّا مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا،
وَمَدَّ إِلَيْهِمْ يَدَهُ كَذِبًا وَزُورًا؛ فَالْوَعِيدُ فِي حَقِّهِ كَبِيرٌ، وَالْإِثْمُ
وَالْجَزَاءُ فِي عَمَلِهِ خَطِيرٌ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لًا تَزَالُ
الْمَسْأَلةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالَى وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ
لَحْمٍ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ
النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا؛ فَلْيَسْتَقِلَّ مِنْهُ
أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ].
فَالتَّعَفُّفُ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ، وَقَطْعُ الطَّمَعِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَطْلَبٌ شَرَعِيٌّ، وَمَقْصِدٌ دِينِيٌّ؛ فَأَمْوَالُ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ؛ كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ هَذَا الِاسْتِغْنَاءُ وَاجِبًا لِمَنْ كَانَ قَوِيًّا فِي بَدَنِهِ، مُسْتَطِيعاً فِي كَسْبِهِ؛
فَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ
بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ،
فَسَأَلَاهُ مِنْهَا، فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ فَقَالَ:
«إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»
[أَخْرَجَهُ الْإمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ
اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ خَيْرُ الْغَافِرِينَ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ
اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ أُجُورَ التَّعَلُّقِ بِاللهِ كَبِيرَةٌ،
وَثَمَرَاتِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ: الْكِفَايَةُ
بِاللهِ وَالْوِقَايَةُ مِنْهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ يُهِمُّهُ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَزَلَتْ
بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ
فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ، فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ، عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ»
[أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ].
وَمِنْ ثَمَرَاتِ التَّعَلُّقِ بِاللهِ
وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ: نَيْلُ مَحَبَّةِ اللهِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ الْغَنِيَّ
الْحَلِيمَ الْمُتَعَفِّفَ، وَيُبْغِضُ الْبَذِيءَ الْفَاجِرَ السَّائِلَ الْمُلِحَّ»
[أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ
الْأَلْبَانِيُّ].
وَمِنْ ثَمَرَاتِ التَّعَلُّقِ بِاللهِ
وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ: دُخُولُ الْجَنَّةِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي مُسْنَدِ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ يَضْمَنُ لِي وَاحِدَةً وَأَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ؟» قَالَ: قُلْتُ: أَنَا يَا
رَسُولَ اللهِ. قَالَ: «لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا» قَالَ: فَكَانَ سَوْطُ ثَوْبَانَ
سَقَطَ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَيُنِيخُ حَتَّى يَأْخُذَهُ، وَمَا يَقُولُ لِأَحَدٍ:
نَاوِلْنِيهِ.
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ:
بِمَا أَنَّ عِزَّةَ النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءَ عَنِ النَّاسِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ، وَخَلَّةٌ حَمِيدَةٌ، فَهُنَاكَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ، وَظَاهِرَةٌ سَيِّئَةٌ، وَهِيَ ظَاهِرَةُ التَّسَوُّلِ، فَبِجَانِبِ مَنْعِهَا مِنَ السُّلُطَاتِ لَمْ تَعُدْ قَاصِرَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ غَيْرِ الْقَادِرِينَ عَلَى الْكَسْبِ وَالْعَمَلِ،
وَلَكِنَّنَا وَجَدْنَا بَعْضَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ
مِنْ مَعْدُومِي الْمُرُوءَةِ الَّذِينَ اسْتَسْهَلُوا التَّسَوُّلَ وَاسْتَغَلُّوا
عَطْفَ النَّاسِ وَبَحْثَهُمْ عَنِ الْأَجْرِ، فَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ، وَتَمَسْكَنُوا
فِي طَلَبِهِمْ، فَتَجِدُهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَعَلَى أَبْوَابِ
الْمَسَاجِدِ، فَيَجِبُ الْأَخْذُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَعَدَمُ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ،
فَالْعَمَلُ الْخَيْرِيُّ فِي بَلَدِنَا مُنَظَّمٌ، وَلَهُ طُرُقُهُ وَوَسَائِلُهُ
الْمَعْرُوفَةُ.
وَاحْرِصُوا – رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى-
عَلَى الْأخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ
الِاحْتِرَازِيَّةِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا, وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ،
وَاجْعَلِ الـمَوْتَ رَاحَةً
لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ
الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْـمُسْلِمَاتِ؛
الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُــمَّ أَغِـثْ
قُـــلُوبَنَا بِالإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَبِلَادَنَا بِالأَمْطَارِ النَّافِعَةِ
يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ
وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ
وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق