جاري تحميل ... كنز الخطباء

إعلان الرئيسية

جديد الخطب

خطب المنهيات والمنكرات

خطبة فِي ذَمِّ الْـكِـبْـرِ وَبَـيَـانِ مَـظَـاهِـرِهِ وآثَـارِهِ

 خطبة فِي ذَمِّ الْـكِـبْـرِ وَبَـيَـانِ مَـظَـاهِـرِهِ وآثَـارِهِ 





الخطبةُ الأولى

 الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى ، وَأَرَانَا مِنْ آيَاتِهِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي النُّهَى ؛ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، ‏﴿لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ ؛ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهَدْيِهِ ، وَسَارَ عَلَى طَرِيْقَتِهِ الْمُثْلَى .

 أمَّا بَعْدُ ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أُوْصِيْكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ، خُلُقٌ ذَمِيمٌ ، وَذَنْبٌ خَطِيرٌ ، حَذَّرَ مِنْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ غَايَةَ التَّحْذِيرِ ، وَيَتَّصِفُ بِهِ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ كَثِيرٌ ، أَلَا وَهُوَ دَاءُ الْكِبْرِ ، وَهُوَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ ، قَالَ تَعَالَى وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ : ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ .  

  وَقَدْ وَضَّحَ النَّبِيُّ مَعْنَى الْكِبْرِ غَايَةَ الْاِتِّضَاحِ ، فَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ : قَالَ : «الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ [أَيْ دَفْعُهُ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ] ، وَغَمْطُ النَّاسِ [أَي احْتِقَارُهُمْ]» . 

   وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ الْجَامِعِ يَتَّضِحُ أَنَّ النَّبِيَّ جَعَلَ الْكِبْرَ عَلَى نَوْعَيْنِ : كِبْرٌ عَنِ الْحَقِّ ، وَكِبْرٌ عَلَى الْخَلْقِ .

 فَأَمَّا الْكِبْرُ عَنِ الْحَقِّ فَهُوَ رَدُّهُ وَعَدَمُ قَبُولِهِ ، فَكُلُّ مَنْ رَدَّ الْحَقَّ فَإِنَّهُ مُسْتَكْبِرٌ عَنْهُ بِحَسَبِ مَا رَدَّ مِنَ الْحَقِّ ، فَالْمُتَكَبِّرُونَ عَنِ الْاِنْقِيَادِ لِلرُّسُلِ بِالْكُلِّيَّةِ كُفَّارٌ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ ؛ فَإِنَّهُ جَاءَهُمُ الْحَقُّ عَلَى أَيْدِي الرُّسُلِ بِالْبِيِّنَاتِ ، فَقَامَ الْكِبْرُ فِي قُلُوبِهِمْ مَانِعًا فَرَدُّوهُ ، قَالَ تَعَالَى : ‌‏﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ . 

وَأَمَّا الْمُتَكَبِّرُونَ عَنِ الْاِنْقِيَادِ لِبَعْضِ الْحَقِّ الَّذِي يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ وَهَوَاَهُمْ ، فَهُمْ- وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارَاً- فَإِنَّ مَعَهُمْ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِقَابِ بِحَسَبِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْكِبْرِ ، وَمَا تَأَثَّرُوا بِهِ مِنَ الْاِمْتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ الَّذِي تَبَيَّنَ لَهُمْ بَعْدَ مَجِيءِ الشَّرْعِ بِهِ ؛ وَلِهَذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ ، كَائِنَاً مَنْ كَانَ .

 وَأَمَّا الْكِبْرُ عَلَى الْخَلْقِ فَهُوَ غَمْطُهُمْ وَاحْتِقَارُهُمْ ، وَذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ عُجْبِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ ، وَتَعَاظُمِهِ عَلَيْهِمْ وَاسْتِصْغَارِهِمْ ؛ وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ : «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» .

 عِبَادَ اللهِ ، لِلْكِبْرِ مَظَاهِرُ وَسْمَاتٌ تَظْهَرُ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ ، تَدَلُّ عَلَى مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَازْدِرَاءِ الآخَرِينَ ، وَمِنْ ذَلِكَ تَصْعِيرُ الْوَجْهِ وَالْاِخْتِيَالُ فِي الْمَشْي ، قَالَ تَعَالَى : ‌‏﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ ، أَيْ : لَا تُمِلْهُ تَكَبُّرًا عَلِيْهِمْ ، ‏﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ ، أَيْ : بَطَرَاً وَفَخْرًا بِالنِّعَمِ ، ‌‏﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ﴾ ، أَيْ فِي نَفْسِهِ وَهَيْئَتِهِ ، ‏﴿فَخُورٍ﴾ بِقَوْلِهِ 

 وَفِي صَحِيْحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» .

وَمِنْ مَظَاهِرِ الْكِبْرِ التَّرَفُّعُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ مَنْزِلَةً فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْعِلْمِ ، أَوِ السَّلاَمِ عَلَيْهِ أَوْ مُصَافَحَتِهِ احْتِقَارًا لَهُ .

 

 وَمِنْ مَظَاهِرِ الْكِبْرِ أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ وَيَمْشِيَ أَتْبَاعُهُ خَلْفَهُ .

وَمِنْ مَظَاهِرِ الْكِبْرِ حُبُّهُ الْقِيَامَ لَهُ ؛  قَال : «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ .

وَمِنْ مَظَاهِرِ الْكِبْرِ إِسْبَالُ الثَّوْبِ لِلرِّجَالِ ، قَالَ : «إزْرَةُ المُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ ، وَلَا حَرَجَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ ، فمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ فَهُوَ في النَّارِ ، وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ .

 وَمِنْ مَظَاهِرِ الْكِبْرِ أَنْ يُمَيِّزَ فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ، فَتَرَاهُ يُسَارِعُ فِي إِجَابَةِ الْغَنِيِّ ، وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ إِجَابَةِ دَعْوَةِ الْفَقِيرِ .

عِبَادَ اللهِ ، وَالتَّكَبُّرُ عَنِ الْحَقِّ وَعَلَى الْخَلْقِ يُوجِبَانِ أَنْوَاعَاً مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ ، وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ أَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ آيَاتِ اللهِ وَالصَّدِّ عَنْهَا ، وَسَبَبٌ لِلْعَذَابِ ، قَالَ تَعَالَى :‏ ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ . 

وَهُوَ سَبَبٌ لِلذِّلَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالَ : «يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .  

 وَمَا مِنْ خُلُقٍ ذَمِيمٍ إِلَّا وَالْكِبْرُ يَجُرُّ إِلَيْهِ ، وَأَشَّرُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ مَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْاِنْقِيَادِ لَهُ ؛ قَالَ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَلَا :‏ ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ .

 أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ، فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ كَانَ غَفَّارَاً .

الخطبةُ الثانيةُ

 الحَمْدُ للهِ وكَفَى ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسِولِهِ المُصْطَفَى ، وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن سَارَ عَلى نَهْجِهِ واقْتَفَى ، أمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى . 

 أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ، إِنَّ الْكِبْرَ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ ، وَلَنَا فِي مُعَالَجَتِهِ مَقَامَانِ :

 الْمَقَامُ الأْوَّلُ : فِي اسْتِئْصَالِ أَصْلِهِ وَقَطْعِ شَجَرَتِهِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الإْنْسَانُ نَفْسَهُ ، وَيَعْرِفَ رَبَّهُ ، فَإِنَّهُ إِنْ عَرَفَ ذَلِكَ ، عَلِمَ أَنَّهُ أَذَلَّ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَصْلِ وُجُودِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ، فَقَدْ صَارَ شَيْئًا مَذْكُورًا بَعْدَ أَنْ لِمْ يَكُنْ 

 وَقَدْ أَشَارَ اللهُ تَعَالَى إِلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : ‏﴿قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ *ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ* كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ ، فَمَنْ هَذِهِ بِدَايَتُهُ فَأَيُّ وَجْهٍ لِكِبْرِهِ وَفَخْرِهِ؟!! .

 وَالْمَقَامُ الثَّانِي : مَنِ اعْتَرَاهُ الْكِبْرُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا تَعَزُّزٌ بِكَمَالِ غَيْرِهِ ، وَمَنِ اعْتَرَاهُ الْكِبْرُ بِالْجَمَالِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى بَاطِنِهِ نَظَرَ الْعُقَلاَءِ ، وَلاَ يَنْظُرْ إِلَى ظَاهِرِهِ نَظَرَ الْبَهَائِمِ الْعَجْمَاءِ ، وَمَنِ اعْتَرَاهُ مِنْ جِهَةِ الْقُوَّةِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ آلَمَهُ عِرْقٌ عَادَ أَعْجَزَ مِنْ كُلِّ عَاجِزٍ .

وَمَنْ تَكَبَّرَ بِالْغِنَى فَأُفٍّ لِشَرَفٍ تَسْبِقُهُ بِهِ الْيَهُودُ ، وَيَسْتَلِبُهُ السَّارِقُ فِي لَحْظَةٍ ، فَيَعُودُ ذَلِيلاً ، وَمَنْ تَكَبَّرَ بِسَبَبِ الْعِلْمِ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى الْعَالِمِ آكَدُ مِنْ حُجَّتِهِ عَلَى الْجَاهِلِ ، وَلْيَتَفَكَّرْ فِي الْخَطَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِهِ ، فَإِنَّ خَطَرَهُ أَعْظَمُ مِنْ خَطَرِ غَيْرِهِ ، كَمَا أَنَّ قَدْرَهُ أَعْظَمُ مِنْ قَدْرِ غَيْرِهِ .    

 

 

 مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِالتَّوَاضُعِ وُكُلِّ خَصْلَةٍ جَمِيلَةِ ، وَحَفِظَنَا مِنْ كُلِّ كِبْرٍ وَخَصْلَةٍ رَذِيلَةٍ ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ .

 عِبَادَ اللهِ ، قَالَ اللهُ جَلَّ في عُلَاهُ : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ . 

 اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ، اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

 اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِيْنَ ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيْنَ ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِيْنَ ، اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِيْنَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَنَفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِيْنَ ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِيْنَ ، وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ ، وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُم يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ،

 

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْوَبَاءِ وَالْغَلَاَءِ وَالرِّبَا والزِّنا ، وَالزَّلَازِلِ وَالْمِحَنِ وَسُوءِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .

 

 

الأسئلة الأربعةُ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والعاقبةُ للمتقين ، ولا عُدْوانَ إلا على الظالمين ، وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً ، أمَّا بعدُ : عبادَ اللهِ فإنِّي أوصيكم بتقوى اللهِ تعالى .

 أيها المسلمون ، لقدْ أكْثرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِنْ ذِكرِ الحِسابِ ، مُصَوِّراً هولَ ذلكَ الموقفِ ؛ ليكونَ النَّاسُ على بِيِّنَةٍ مِنْ أَمرِهم ولِيَسْتَعِدُّوا لَهُ بالعَمَلِ الصَّالحِ ، استَمِعُوا معي لهذا الحديثِ الخطيرِ ، وتأمَّلوا ما فيه فقدْ ثَبتَ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ أنَّهُ قال : «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ» ، رواهُ الترمذيُّ وهو حديثٌ صحيحٌ .

كمْ هو جَدِيرٌ بِنا أنْ نتَذَكَّرَ هذا الامْتحانَ ، ونتأمَّلَ هذه الأسئلةَ الأربعةَ ، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ : «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ» ، أي : لا تَتحركُ في ذلكَ اليومِ العظيمِ الشَّديدِ قدَمَا عبدٍ عن مَوقفِ الحِسابِ المَهُولِ إلى جنَّةٍ أو نارٍ ؛ حتى يُسأَلَ عن هذهِ الأُمورِ الأربعةِ .

فالسُّؤالُ الأولُ : «عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ» ، أَأَفنَاهُ فيما خُلِقَ لأجلِهِ وهوَ عبادةُ اللهِ وحدَهُ ، وما يُقرِّبُهُ إلى جنَّتِهِ ؟ ، أو أفنَاهُ في الآثامِ والجَهالاتِ واللعِبِ واللهوِ والأسفارِ والرِّحلاتِ والسِّياسةِ ومُتابَعَتِها ، وبَرامِجِ التَّواصُلِ الاجْتِماعِي ، وطَلَبِ الشُّهرةِ والبَحْثِ عَنْ أسْبَابها ، والإعراضِ عن اللهِ والدّارِ الآخِرة ؟ ، ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ .

أما السُّؤالُ الثاني : «عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» ، أَأَبلاه في البحثِ عن حُطامِ الدُّنيا ومَلذَّاتِها ؟ ، أو أبلاهُ في طاعةِ اللهِ وقيامِ الليلِ وصيامِ النَّهارِ والاعْتمارِ ؟ ، أَأَبلاهُ في مُلاحَقَةِ النِّساءِ والطَّربِ وفيما حَرَّمَ اللهُ ؟ ، وسواءٌ قلَّتْ سُنونُ عُمُرِهِ أو كَثُرَت ، سَيُسأَلُ لا مَحالَة ، ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .

وأمَّا السُّؤالُ الثالِثُ : «عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفًقَهُ» ، هلِ اكتسبَهُ مِن طريقٍ حلالٍ كتجارةٍ ووظيفةٍ ؟ ، أو اكتسَبَهُ مِن طريقٍ حرامٍ كَسَرِقةٍ ورِشْوةٍ وأكلٍ للمَالِ العامِّ ، وأكل أموالِ الناسِ بالباطلِ ، وتجارةٍ مُحرَّمةٍ وَوَظيفةٍ ومِهنةٍ لا تجوز ، وغِشٍّ وخِداعٍ ؟ ، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ .

وأما السُّؤالُ الرَّابعُ : «عَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ» ، أي : هل عَمِلَ بما عَلِمَهُ مِن أحكامِ الشَّريعةِ الإسْلامِيةِ ؟ ، أو أنَّه عَلِمَ أنَّ هذا حَرامٌ فارتَكَبَه ولم يجْتَنِبْه ؟ ، هل عَلِمَ أنَّ هذا مُنْكَرٌ وبِدْعَةٌ وشِركٌ باللهِ ؛ فهلْ تركَهُ أو فعلَهُ ؟ ، ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ، أَقُولُ قولي هذا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .  

الخطبةُ الثانيةُ

الحمدُ اللهِ الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى ودينِ الحقِّ ، ليظهرَه على الدينِ كلِّه ، وكفى باللهِ شهيداً ، أما بعدُ : عبادَ اللهِ ، بادِرُوا أعمارَكم وأيَّامَكم بأعمالِكم الصالحةِ قبلَ انقِضائِها ، وحقِّقوا أقوالَكُم بأفعالِكم ، واغتنِموا ما بَقِيَ مِن أوقاتِ حياتِكم بالإكثارِ مِن الطاعاتِ قبلَ المَمات 

 فإنَّ حقيقةَ العُمُرِ ما أمضَاهُ العبدُ بطاعةِ ربِّهِ ومَولَاهُ ، فبِها يَحْيَى حياةً طيبةً في الدُّنيا والآخِرَة ، حتَّى لا نَكُونَ مِن أهْلِ النَّارِ الذينَ قالَ اللهُ فيهم : ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ .

 

 ألا وصَلُّوا على خيرِ البريَّةِ وأزكى البشريَّةِ محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ ، اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وأزواجِهِ وذريَّتِهِ ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ ، وباركْ على محمَّدٍ وأزواجِهِ وذريَّتِهِ كما باركتَ على إبراهيمَ وآل إبراهيمَ إنَّك حميدٌ مجيدٌ .

اللهُمَّ جَدِّدِ الإيمانَ في قلوبِنا ، اللهُمَّ جَدِّدِ الإيمانَ في قلوبِنا ، اللهُمَّ جَدِّدِ الإيمانَ في قلوبِنا ، اللهُمَّ إنَّا نعوذُ بكَ من الغَفْلةِ والقَسْوةِ ، اللهُمَّ إنَّا نَسْألُك الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أوْ عملٍ ، ونعوذُ بكَ من النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ .

اللهمَّ إنَّا نْسْألُك فعلَ الخيراتِ وحُبَّ المساكينِ ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ .

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ .

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *