/الخُطْبَــــةُ.الْأُولَـــــــــى.
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ حَجَّ بَيْتِهِ الحَرَامِ؛ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، غَفَرَ لِمَنْ حَجَّ البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ جَمِيعَ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ،
وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي بِالْحَقِّ إِلَى دَارِ السَّلَامِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ العَرْضِ عَلَى
ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ - عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي
بِطَاعَةِ اللهِ وَتَقْوَاهُ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ
عَلَيْهِ كَفَاهُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:
2-3].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
هَا قَدْ أَظَلَّنَا مَوْسِمُ الحَجِّ العَظِيمُ؛ لِنَتَوَجَّهَ إِلَى اللهِ بِالإِخْلَاصِ وَالتَّعْظِيمِ؛ فَإِنَّ الحَجَّ أَحَدُ الأَرْكَانِ الخَمْسَةِ الْعِظَامِ، وَهُوَ عِبَادَةُ العُمْرِ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ، وَفِيهِ أَتَمَّ اللهُ النِّعْمَةَ وَأَكْمَلَ الْمِنَّةَ، حَيْثُ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ؛ آيَةَ إِكْمَالِ الدِّينِ بِجَمِيعِ مَبَانِيهِ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3]،
فَارْضَوْهُ أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ يَا أَهْلَ الإِسْلَامِ؛ فَإِنَّهُ
الدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ، وَبَعَثَ بِهِ أَفْضَلَ رُسُلِهِ الْكِرَامِ،
وَأَنْزَلَ بِهِ أَشْرَفَ كُتُبِهِ العِظَامِ.
وَفِيهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ:
رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ لِلْحَجِّ فَضَائِلَ مُتَعَدِّدَةً كَثِيرَةً، وَثَوَابًا وَأُجُورًا مُتَنَوِّعَةً كَبِيرَةً، وَمِنْ تِلْكُمُ الْفَضَائِلِ الْكَثِيرَةِ الْعِظَامِ: أَنَّ الْحَجَّ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ
هُوَ الْحَجُّ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ إِثْمٌ.
وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: «لَكُنَّ أَحْسَنُ الجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ: الحَجُّ؛ حَجٌّ مَبْرُورٌ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ:
الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَالْحَجُّ – يَا عِبَادَ اللهِ – يَمْحُو
الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا، وَيَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْآثَامِ وَالرَّزَايَا؛ كَمَا
سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (لَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ،
فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قُلْتُ:
أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي،
قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ
تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» [رَوَاهُ
مُسْلِمٌ].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
وَمِنْ فَضَائِلِ الْحَجِّ الْكَبِيرَةِ، وَآثَارِهِ الْجَلِيلَةِ الْكَثِيرَةِ: أَنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ مَعَ الْآثَامِ، وَيُدْخِلُ الْجَنَّةَ دَارَ السَّلَامِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ»؛
أَيْ كَمَا تُذْهِبُ آلَةُ الْحَدَّادِ-
الَّتِي يَنْفُخُ بِهَا فِي النَّارِ- وَسَخَ الْحَدِيدِ وَشَوَائِبَهُ [رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ
كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ»
[رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَفَّقَنَا اللهُ لِحَجِّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ،
وَحَطَّ عَنَّا جَمِيعَ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ، أَقُولُ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ
اللهَ الْعَلِيَّ الْكَرِيمَ، وَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
/الخطبة الثانية .
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا
عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛
يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّمَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
بَالِغٍ عَاقِلٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ، وَمِنَ الِاسْتِطَاعَةِ: وَجُودُ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ،
وَالصِّحَّةُ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ، وَتَمَلُّكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ- لِمَنْ بَعُدَتْ
دَارُهُ عَنْ مَكَّةَ- وَكَذَا مَا يَلْزَمُ لِلسَّفَرِ مِنْ إِجْرَاءَاتٍ مُعَاصِرَةٍ؛
لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ:
عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ
الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ
الْأَلْبَانِيُّ].
وَهُوَ يَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً، فَمَنْ
زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَنَافِلَةٌ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا
النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ». قَالَ: فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ،
فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ،
وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا،
الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ
وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].
وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَجِّ
وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ مَانِعٌ أَنْ يُؤَخِّرَهُ؛ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنَ التَّضْيِيعِ،
فَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ فِيمَا بَعْدُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَاجَةٍ
وَنَحْوِهِمَا؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، أَوْ
أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ
الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ
الْأَلْبَانِيُّ].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْحَجَّ شَعِيرَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ، وَفَرِيضَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، وَرِحْلَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، وَفِيهَا تَرْنُو النَّوَاظِرُ وَتَهْفُو الأَفْئِدَةُ وَالْخَوَاطِرُ إِلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ؛ لِحَطِّ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ، حَيْثُ تَسِيرُ الرُّكْبَانُ وَالوُفُودُ إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ، وَتَقْطَعُ الْفَيَافِيَ وَالْقِفَارَ، وَتَجُوزُ الأَجْوَاءَ وَالْبِحَارَ، وَتَتجَشَّمُ المَشَقَّةَ بِطُولِ المَسَافَةِ وَبُعْدِ الشُّقَّةِ؛ لِحِكَمٍ تُبْتَغَى وَأَسْرَارٍ تُرْتَجَى؛ لِيُكْمِلُوا أَرْكَانَ الإِسْلَامِ، وَيَهْدِمُوا مَعَالِمَ الشِّرْكِ وَالأَصْنَامِ.
وَلَا يَقْتَصِرُ الحَاجُّ عَلَى
الإِتْيَانِ بِشَعَائِرِ الحَجِّ الظَّاهِرَةِ، بَلْ يُرَاعِي حِكَمَهَا وَأَسْرَارَهَا
البَاطِنَةَ؛ إِذْ سَيْرُ القُلُوبِ أَبْلَغُ مِنْ سَيْرِ الأَبْدَانِ، فَكَمْ مِنْ
وَاصِلٍ بِبَدَنِهِ إِلَى البَيْتِ وَقَلْبُهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ رَبِّ البَيْتِ!.
فَيَنْبَغِي عَلَى الْحَاجِّ: أَنْ يَتَزَوَّدَ لَهُ بِزَادِ الْعِلْمِ بِمَا يَجِبُ وَمَا يَحْرُمُ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ حَجُّهُ وَمَا يُبْطِلُهُ أَوْ يُفْسِدُهُ، وَأَنْ يُرِيدَ بِحَجِّهِ أَدَاءَ فَرِيضَةِ رَبِّهِ، وَغُفْرَانَ وِزْرِهِ وَذَنْبِهِ، وَأَنْ يَتَجَنَّبَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَمَمْنُوعَاتِهِ ؛ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ مِنَ الثِّيَابِ وَالسَّرَاوِيلِ لِلرَّجُلِ، وَالنِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ لِلْمَرْأَةِ، وَتَقْليمِ الْأَظْفَارِ وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِالْحَلْقِ أَوِ الْقَصِّ أَوْ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ أُخْرَى، وَالتَّطَيُّبِ فِي الثَّوْبِ أَوِ الْبَدَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمِ امْرَأَةً،
وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَوِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ،
وَالْجِمَاعِ – وَهُوَ أَخْطَرُهَا- وَدَوَاعِيهِ كَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ،
وَالْخِطْبَةِ وَالتَّزْوِيجِ، وَاكْتِسَابِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ، وَغَيْرِ
ذَلِكَ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَلَّى بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ ؛ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَطِيبِ الْمُعَامَلَةِ، وَمِنْ إِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَلِينِ الْكَلَامِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسْلَمَ لِلْحَاجِّ حَجُّهُ، وَيَرْجِعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ؛ قَالَ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197].
وَفِي
الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ
كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والـمُشْرِكِينَ، وانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ،
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَ الْحَجِيجِ حَجَّهُمْ،
وَرُدَّهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَقَدْ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُمْ وَسُتِرَتْ
عُيُوبُهُمْ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق